09/06/2011م - 2:38 م | عدد القراء: 2914
في ضيافة الله ..
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطّاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين النفس الإنسانية هي عُهدة الله تعالى عند الإنسان ، وهي بحاجة مستمرّة إلى المراقبة والعناية ، حتّى يتسنّى لها أن تؤدّي وظيفتها وتتألّق في عكس الحقائق المختلفة بوضوح تام ، فهي كالمرآة التي تحتاج مسح الغبار والأتربة عنها دورّياً .. وتحتاج نفس الإنسان إلى مرافيء ومحطّات لجليها وتطهيرها ، فالحجّ محطة يحتاجها الإنسان في العمر مرّة ، والصلوات الخمس خمس محطات يحتاجها خلال اليوم الواحد ، والصوم محطّة يحتاجها خلال كلّ سنة مرّة . ومن جملة مظاهر استقبال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم ما رواه الشيخ الصدوق (ره) من خطبته الشريفة قبل حلول شهر رمضان : " أيها الناس ، أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله من أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات ، شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب ، فإن الشّقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر ". والملاحظ أن كل فقرة من كلماته صلى الله عليه وآله وسلّم تتفجّر عن حُزمة من أنوار الحقائق والمعارف ، وكلّها يستحق التأمّل والوقوف والتدبّر ، ثمّ يتوّج بيانه الشريف بقوله : " شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله " .. فهي دعوة سخيّة من ربّ العزّة لعباده بكلّ أطيافهم وأنواعهم إلى مأدبته ، ومن الواجب قبول الدعوة وبالتّالي مراعاة حرمة الظّرف الذي سيتم فيه إستقبال الضيوف ، ومن العقل والحكمة والأدب أن يصوم ويُمسك الضّيفُ عن كلّ ما يشين بهذه الضيافة ، وهذه هي المرحلة المُثلى التي سمّاها الحديث الشريف " صوم الجوارح " ، والجوارح هي الأعضاء التي يكتسب فيها الإنسان ثواباً أو عقاباً !! صوم الجوارح :
ويتلو القلبَ اللسانُ من حيث الأهميّة ، فهو من تضجّ منه الأعضاء خوف أن يجور عليها فيوردها النّار ، ويصوم عن الظّلم والغيبة والتهمة والبهتان والتهمة ، ليقتصر على ذكر الله تعالى وذكر ما أحب ، وهكذا تصوم الأذن عن سماع المحرّمات كالغيبة واللغو والغناء وما شاكل ذلك من المحرمات وتستمع ما يقرّبها لله تعالى .. وتصوم اليد عن الظلم والبطش والسرقة والشبهة وعن اكتساب المحرّمات ، وتسعى في طاعة الله تعالى ، وتصوم الرجل عن السعي في أذى المؤمنين والفتنة ومجالس البطّالين وما إلى ذلك ، وتقتصر مساعيها على الطّاعات ، وتصوم العين عن النظر المحرّم وتتبّع العورات ، ولا يمتدّ مداها إلاّ في محيط رضاه وطاعته . فتكون الجوارح كلّها في طاعة الله تعالى ، بعيدة عن معصيته ، منفتحة على الإمتثال لأوامر الدين ، ممتنعة عن نواهيه ، ويكون قلب المؤمن عرش الرحمن ـ كما جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام ـ فالجوارح ممتثلة لرضوان الملك الجبّار في هذا الشهر الكريم ، متعوّدة على ذلك في سائر الشهور والأيّام على مدى أيّام السنة ، فيليق للعبد المؤمن حينئذ أن يكون في ضيافة الله وكرامته في شهر رمضان وفي كل شهر ، ويتضح حينئذ معنى الحديث الشّريف : " كلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد ". التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0» لاتوجد تعليقات!
|