17/02/2014م - 9:45 م | عدد القراء: 9620
من هُنَا بدَأَت .. كانت البداية بعد انهيار النظام العراقي .. حين سنحت الظروف بالتواصل وزيارة العتبات المقدسة ، وكانت الجراح لم تندمل بعدُ .. حينها وجّه التّوفيق اهتمامي إلى العمل على خدمة الأيتام والفقراء والأرامل في النّجف الأشرف وكربلاء المقدّسة .. وكانت الحاجة وقتها ولا زالت فوق حدّ التصوّر ، وكانت الفوضى عارمة في محيط البلدتين المقدّستين ، فتمثّلت بقول أمير المؤمنين (ع) : لا تستحيوا من إعطاء القليل ، فإنّ الحرمان أقلّ منه ! وقوله (ع) : ما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلّه .. فلم أتردّد حينها في الإقدام على فعل القليل مقابل تلك الحاجة الكبيرة .. وكان الأمر أقرب للكارثة .. وكنتُ في نطاق الأُسرة أجمع مبلغاً من الأقارب كي نقدّم عملاً نُهديه للمرحومة والدتي في سنويّتها ، فاستقرّ رأيي على تهيئة هدايا على شكل حقائب للأرامل والفقراء والأيتام توزّع في حرم الإمام الحسين (ع) ..
هكذا قرّرتُ بعد أن علمتُ جزماً بأنّه من أفضل موارد رضاه (ع) وصلته ، فهم المحتاجون المجاورون له ، ولا شك عندي إنّ عنايته متّجه إليهم أوّلاً .. وإنّ روحه العملاقة تحرّك الموفّقين لإغاثتهم .. هل نُهيأ الملابس المطلوبة من الكويت ؟ أم ما هو الأنسب ؟ .. تهيأت الظروف .. واجتمعت من غير ميعاد مع تاجر في النجف الأشرف ، وكان يشكو من توقّف مشغله عن العمل بسبب ظروف الحرب ، فاتفقت معه على تحريك المصنع لتهيئة الملابس المطلوبة ، خصوصاً وإن الأسعار التي قدّمها مناسبة جداً ، ومع ذلك فإنّنا سنُسهم في تجديد الحياة في المشغل ونجدّد حركته ، وسنُعين كثيراً من المؤمنين العاملين في مدينة أمير المؤمنين (ع) ونسدّ حاجاتهم . ثمّ تقرّر أن يكون توزيع الحقائب في غرفة في حرم الإمام الحسين (ع) عند باب القبلة في شهر رمضان في ليلة عيد الفطر من تلك السنة .. وطلبت من أحد الأخوة المؤمنين الكويتيين المعروفين في مجال الخير أن يتواجد ليلتها ليشرف على توزيع الأمانات بناء على قوائم معدودة ، ولا أتذكّر العدد التي تتضمّنه إلاّ أنّه كان بالمئات .
وبينما كنتُ في الكويت في شهر رمضان أزاول القراءة في مجالسي على عادتي إذ وُزّعت الأمانات في تلك الليلة بالطريقة المناسبة على الأسماء المعيّنة في القوائم .. إلاّ أنّ المفاجأة .. في صباح يوم عيد الفطر اتّصل بي أحد العلماء المعروفين بالصّلاح من مشهد الإمام الرضا (ع) ولم أكن قد التقيتُ به من فترة طويلة ، وكان يتفقّدني ثم يسألني مبادراً : هل عندك عملٌ تقومُ به في حرم الإمام الحسين (ع) ! فلم أتذكّر حينها الموضوع ولم ألتفت .. إلاّ أنّي سألته : لماذا ؟ وما الأمر ! فقال لي : رأيت البارحة الإمام الحسين (ع) جالساً على عرشٍ في إحدى غُرف الحرم الشريف ، ورأيتُك تضع بين يديه هدايا على شكل صناديق فاخرة ، وكان ينظر إليك مسروراً !!
فالتفتُّ إلى الأمر وغالبتني دمعتي بعد أن شرحت كلماتُهُ صدري .. وتذكّرتُ مشروع الأيتام في الليلة الماضية ، وتأكّدتُ موقناً أن رضا الإمام الحسين (ع) في إغاثة أيتام مدينته ، مع يقيني أن كل الأرض مدينة الحسين (ع) ومملكته ، فهو متعلّق عن يمين العرش ينظر إلى زوّاره والباكين عليه والعاملين على صلته وبلوغ رضاه ، ويُسرّ من أعمال المؤمنين ويباركها بقبوله وإن كانت قليلة متواضعة . ومن هذه النّقطة بالتحديد انطلقت مسيرة مبرّة الكفيل (ع) وأسأل الله تعالى أن يباركها ويمهّد سبيلها ويسدّد مراميها بالإمام الحسين (ع) .
محمد جمعة بادي كربلاء المقدسة .الحرم الحسيني الشريف
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «7» |
بارك الله فيكم